في تاريخ الفواكه العالمية، يحتل البرتقال مكانة راسخة بين أقدم وأشهر الفواكه، فبعدما نشأ في جنوب شرق آسيا حوالي 4000 عام قبل الميلاد، بدأ البرتقال رحلته حول العالم ليصل إلى الهند ومن ثم إلى مختلف القارات.
واليوم، يمكن العثور على أكثر من 600 نوع من البرتقال في شتى بقاع الأرض، من بين هذه الأماكن، تحتل مصر مكانة خاصة كواحدة من أكبر الدول المصدرة للبرتقال، ولكن السؤال هو: كيف دخل البرتقال مصر وأصبح جزءًا لا يتجزأ من ثقافتها؟
البرتقال في مصر: من حدائق القصور إلى أغاني الشعب
لعل المصريين هم من أكثر الشعوب التي أحبّت البرتقال، حتى أصبح جزءًا من تراثهم الغنائي، الموسيقار محمد عبد الوهاب غنى له أغنيته الشهيرة “ياللي زرعتوا البرتقال”، بينما أنشد محمد رشدي أغنيته الخالدة “تحت الشجرة يا وهيبة ياما كلنا برتقال”، وغيرها من الأغاني الشعبية التي تحتفي بهذه الفاكهة.
لكن، بالرغم من هذا الحب العميق، لم تكن زراعة البرتقال موجودة في مصر منذ القدم، وبحسب المؤرخين، بدأت زراعته فعليًا في مصر خلال عصر محمد علي، في الوجه البحري والدلتا.
وكانت مصر من بين الدول القليلة التي زُرع فيها أندر أنواع البرتقال، مثل البرتقال الأحمر الذي كان يُعرف بالبرتقال الدموي نسبةً إلى لونه الأحمر المميز.
أما في حدائق القصور الملكية مثل قصر إبراهيم باشا وقصر محمد علي، فقد كانت تُزرع أشجار البرتقال ذات الرائحة العطرة التي تملأ الأجواء.
حكاية اليوسفي: الثمرة العطرية التي غيرت اسمها
أما اليوسفي، فهو قصة أخرى من قصص الفواكه التي دخلت مصر واحتلت مكانة مميزة، ويعود الفضل في إدخال اليوسفي إلى مصر إلى يوسف أفندي باشا، الخبير الزراعي الذي عاش في صعيد مصر خلال عهد محمد علي.
أثناء إحدى رحلاته التجارية إلى الغرب، توقفت سفينته في فرنسا، وهناك اكتشف يوسف أفندي ثمرة صغيرة ذات رائحة عطرة أسره جمالها.
فقرر أن يجلب هذه الثمرة إلى مصر. وبعد شراء ثمانية براميل من الأشجار المثمرة، قام بزراعتها في قصره، وسُميت الثمرة تيمنًا به “يوسفي”.
مصر: منافسة عالمية في سوق الموالح
اليوم، تُعد مصر من بين أكبر خمس دول مصدرة للموالح في العالم، وتنافس بشدة إسبانيا وجنوب أفريقيا. وفقًا لأحدث الإحصاءات، بلغت صادرات مصر من البرتقال 843 مليونًا و154 ألفًا، وتُصدر إلى أسواق عديدة حول العالم، منها السعودية، وهولندا، والصين، والإمارات، والمملكة المتحدة، وأوكرانيا، وعُمان، وماليزيا.
الاستخدامات القديمة للبرتقال: أكثر من مجرد فاكهة
لم تكن فاكهة البرتقال تُستخدم فقط للأكل، بل استُخدمت أيضًا زهورها في صناعة العطور كمنشط جنسي، كما صُنعت من قشورها المربى، واستُخدمت كنكهة للمشروبات والعصائر، حتى قشور البرتقال كانت تُستخدم من قبل البستانيين لرش الخضروات كطارد طبيعي للحشرات.
وهكذا، تظل قصة البرتقال في مصر مثالًا حيًا على كيف يمكن لثمرة بسيطة أن تتحول إلى جزء من ثقافة وحضارة شعب، ويظل حب المصريين للبرتقال ينبض في قلوبهم عبر الأجيال.