
قصة نجاح جديدة تسطرها الصناعة المصرية في اختراق واحد من أصعب وأضخم الأسواق العالمية. فقد سجلت صادرات مصر من مصارين الأمعاء إلى ألمانيا ارتفاعًا بنسبة 5% خلال النصف الأول من عام 2025 لتبلغ نحو 3.993 مليون دولار، وهو ما يعكس قوة الشركات المصرية في المنافسة عالميًا، ومنها شركة شحفه للأمعاء، التي رسخت اسم مصر في هذا القطاع الحساس المعتمد على أعلى معايير الجودة والنظافة.
تطبيق الـ hygiene بشكل صارم .. كلمة السر في نجاح شركة شحفه للأمعاء في دخول السوق الأوروبي
في البداية أكد المهندس منير شحفه، رئيس مجلس إدارة شركة شحفه للأمعاء وعضو مجلس إدارة جمعية رجال أعمال الإسكندرية، أن السوق الألمانية تُعد الأضخم عالميًا في استيراد الأمعاء الحيوانية، حيث يُقدّر حجمها بأكثر من 1.3 مليار دولار سنويًا، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك مقومات قوية لتعزيز حصتها بفضل خبرتها الطويلة ومزاياها الجغرافية.
وأوضح، أن شركته تُعد من أبرز الكيانات العاملة في صناعة تجهيز وفرز الأمعاء الحيوانية اللازمة لصناعات اللحوم المصنعة مثل السجق والسلامي والجامبون، موضحًا أن النشاط بدأ في مصر عام 1940، بينما تعود جذوره إلى لبنان وسوريا منذ عام 1924.
جاء ذلك خلال الندوة التي نظمها المجلس التصديري للصناعات الغذائية تحت عنوان “فرص تنمية صادرات الصناعات الغذائية المصرية إلى السوق الألمانية” والتي افتتحتها مي خيري المدير التنفيذي للمجلس التصديري للصناعات الغذائية.
وقال إن نجاح الشركة يعود إلى امتلاك خبرة كبيرة في المنطقة في تجهيز وفرز الأمعاء الحيوانية، حيث كان يتم الاستفادة من الوفرة الكبيرة للثروة الحيوانية بالشرق الأوسط، وتصدير جزء من الإنتاج بجانب الاستهلاك المحلي، مع الإشارة إلى أن ألمانيا تُعد أكبر مستورد عالمي لهذه المنتجات.
وأشار شحفه إلى أن نجاح هذه الصناعة ارتبط بوجود ثقافة للتصدير منذ البداية، وأن الشركة ركزت على التصدير بشكل أساسي. وأضاف أن الصناعة تطورت مع الوقت، ولم تعد تقتصر على تصدير الأمعاء المصرية فقط، بل أصبحت تشمل تصدير الخبرة والعمالة المصرية المدربة. وأكد أن شركته، بعد أكثر من 85 عامًا من الخبرة، أصبحت من كبرى الشركات العالمية في هذا المجال، حيث تستورد الأمعاء الخام من نيوزيلندا، أستراليا، أوروبا، وأمريكا الجنوبية والشمالية، ليتم تصنيعها في مصر وإعادة تصديرها إلى الاتحاد الأوروبي وألمانيا والولايات المتحدة واليابان.
شحفه: موقع مصر الاستراتيجي وتسهيلات الشحن يفتحان الطريق لمضاعفة الصادرات
وأوضح أن عوامل النجاح تضمنت المشاركة في المعارض الدولية، والترويج الصحيح للمنتجات، إلى جانب دعم الدولة للقطاع الخاص، وتطور الأجهزة الرقابية مثل هيئة سلامة الغذاء وهيئة الخدمات البيطرية بما يتوافق مع المعايير العالمية.
وقال شحفه إن السوق الألماني لا يقبل بأي تهاون في الجودة، حيث يريد المستورد أن تصله البضاعة جاهزة ومطابقة للمواصفات من دون إعادة فرز أو تجهيز، لأن الوقت ثمين في ألمانيا. وأضاف أن الميزة التنافسية للشركة أن تكاليف العمل في مصر أقل مع وجود خبرة كبيرة، وهو ما يتطلب تدريبًا شاملاً للعاملين. وأكد أن شركته في المنطقة الحرة بالعجمي توظف ما بين ألف إلى ألف ومئتي عامل مدرَّب يجيدون تطبيق أدق معايير النظافة والتعقيم، بما يتوافق مع حساسية السوق الألماني.
وتابع أن الدولة سارت بخطوات داعمة مع الشركات. ففي عام 1994، كان مطلوبًا لتصدير الأمعاء إلى أوروبا أن تكون الشركات مسجلة لدى الهيئة العامة للخدمات البيطرية. وأوضح أن الدكتور علي موسى – رحمه الله – رئيس الهيئة وقتها ونائب رئيس المنظمة العالمية في باريس، ساعد في اعتماد المتطلبات المصرية لتتوافق مع المتطلبات الأوروبية، ومنذ ذلك الوقت صار تسجيل الشركات والحصول على أرقام معترف بها شرطًا أساسيًا للتصدير.
وأكد شحفه أن السوق الأوروبي، وخاصة الألماني، له متطلبات دقيقة جدًا في الجودة والتعبئة والشهادات الصحية والبيطرية. وأوضح أن ذلك يستلزم تطويرًا دائمًا في المصانع المصرية والمعامل المعتمدة القادرة على مواكبة هذه المتغيرات وإصدار الشهادات اللازمة. وأضاف أن المتطلبات تتغير باستمرار، مما يفرض متابعة دقيقة لكل جديد.
وشدد على أهمية دعم الدولة والقوانين الوطنية لمساندة التصدير، مؤكدًا أن الدولة تسير في هذا الاتجاه وتوفر المعلومات عبر مكاتب التمثيل التجاري، بينما يقع على عاتق القطاع الخاص دوره في التعاون مع أجهزة الدولة وهيئة الخدمات البيطرية وهيئة الصحة.
وأضاف أن مصر تمتلك مزايا كبيرة أبرزها الموقع الجغرافي الاستراتيجي، وقربها من أوروبا، حيث تصل الشحنات إلى ميناء هامبورج في فترة تتراوح بين 14 و17 يومًا، بجانب وجود خطوط بحرية جديدة عبر بورسعيد إلى أوروبا، إضافة إلى الخطوط الجوية. وأكد أن هذه المزايا، إلى جانب توفر اليد العاملة المصرية، تمثل أساسًا قويًا لدعم التصدير.
واختتم شحفه بالتأكيد على أن المطلوب هو نشر ثقافة التدريب المستمر، بحيث يكون العامل والمدير قادرين على التعامل مع المستورد الألماني، وإقناعه بأن المنتج المصري نظيف ومطابق للمواصفات، ويحمل الشهادات المعتمدة، ومدعومًا من الدولة والجهات الرقابية، بما يعزز مكانة مصر عالميًا في هذا القطاع.