نظم المجلس التصديري للصناعات الغذائية ندوة إلكترونية عبر تطبيق “زووم” تحت عنوان “لاستكشاف الطلب العالمى على الملح وإمكانات التصدير من مصر، شهدت حضوراً كثيفاً من الشركات المصدرة، حيث استهلت الندوة بعرض سريع لمعدلات النمو وأهمية ملح الطعام وتحديد أهم الدول المنتجة والمستهلكة عالمياً مع رصد دقيق لتطور الصادرات المصرية وأدائها العام وصولاً لأول عشرة أشهر من عام 2025.
وقد ركزت الدراسة في مستهلها على البند الجمركي الدولي (250100)، موضحة أنه لا يوجد تصنيف منفصل للملح الصناعي عن الملح الغذائي في التعريفة الجمركية الدولية، حيث يشمل هذا البند كافة أنواع الأملاح بما فيها ملح الطعام والملح الصناعي وكلوريد الصوديوم النقي سواء كان في صورته الصلبة أو كمحلول ملحي، بالإضافة إلى الأملاح التي أضيفت لها مواد مانعة للتكتل ومياه البحر، دون تفريق بين الملح الطبيعي أو المعالج.
السوق العالمى لـ”الملح”
كشفت البيانات الحديثة الصادرة عن المجلس التصديري للصناعات الغذائية، استنادًا إلى نظام ITC Trade Map، عن ملامح واضحة لاستقرار الطلب العالمي على الملح المدرج تحت البند الجمركي HS 250100، مع نمو ملحوظ في القيمة خلال العقد الأخير مقابل استقرار نسبي في الكميات.
وأظهر تحليل الواردات العالمية خلال الفترة من 2015 إلى 2024 اتجاهًا تصاعديًا في القيمة الإجمالية، حيث بلغت في عام 2024 نحو 5.23 مليار دولار، بإجمالي كميات مستوردة وصلت إلى 74 مليون طن، وهو ما يعكس طلبًا عالميًا مستدامًا على المنتج.
وخلال الفترة من 2020 إلى 2024، سجلت قيمة الواردات العالمية معدل نمو سنوي متوسط بلغ 8%، في حين ظلت الكميات المستوردة عند مستويات متقاربة، الأمر الذي يشير إلى أن نمو القيمة جاء مدفوعًا بارتفاع متوسط الأسعار العالمية وليس بتوسع كبير في حجم الاستهلاك. فعلى مدار السنوات، ارتفعت قيمة الواردات من 3.69 مليار دولار في 2015 بكمية 68 مليون طن، ثم تراجعت في 2016 قبل أن تعاود الصعود تدريجيًا، لتسجل قفزة ملحوظة في 2018 بقيمة 4.25 مليار دولار وكمية 76 مليون طن، وتستقر نسبيًا في 2019، ثم تتأثر في 2020 بانخفاض إلى 4 مليارات دولار، قبل أن تعود إلى مسارها الصاعد لتسجل 5.27 مليار دولار في 2022، و5.19 مليار دولار في 2023، وصولًا إلى 5.23 مليار دولار في 2024.
وسجل متوسط سعر الطن المستورد عالميًا خلال عام 2024 نحو 70 دولارًا للطن، وهو ما يؤكد أن ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل والأسعار العالمية كان العامل الرئيسي وراء نمو القيمة، وليس زيادة الكميات.
وتتصدر الصين قائمة أكبر الدول المنتجة للملح عالميًا، بإنتاج 54 مليون طن (20% من الإنتاج العالمي)، تليها الولايات المتحدة بـ 42 مليون طن (16%)، ثم الهند بـ 30 مليون طن (11%)، وألمانيا بـ 15 مليون طن، أستراليا بـ 14 مليون طن، كندا بـ 12 مليون طن، بينما تأتي تشيلي والمكسيك وتركيا بواقع 9 ملايين طن لكل منها، وروسيا بـ 7 ملايين طن. وتساهم بقية دول العالم مجتمعة بحوالي 27 مليون طن.
وعلى مستوى قائمة أكبر الدول المستوردة للملح عالميًا تصدرت الصين بحصة بلغت 12% من إجمالي الواردات، وبقيمة 601 مليون دولار وكمية 14 مليون طن، تلتها الولايات المتحدة الأمريكية بحصة 11% بقيمة 598 مليون دولار وكمية 13.9 مليون طن، ثم اليابان بحصة 7% بقيمة 341 مليون دولار، وكوريا الجنوبية بحصة 5% بقيمة 253 مليون دولار، إلى جانب بلجيكا وألمانيا بحصص متقاربة بلغت 5% لكل منهما، فيما توزعت باقي الواردات على كندا وتايبيه الصينية والمملكة المتحدة وفرنسا، بينما استحوذت بقية دول العالم مجتمعة على نحو 45% من إجمالي الواردات العالمية.
وفي المقابل، أظهرت خريطة التصدير العالمي تباينًا واضحًا في الاستراتيجيات السعرية بين الدول الكبرى، حيث برزت الهند كأكثر الدول تنافسية من حيث السعر، إذ سجل سعر تصدير الطن نحو 22 دولارًا فقط، ما منحها أفضلية قوية في الأسواق واسعة النطاق، في حين جاءت دول مثل ألمانيا وهولندا والولايات المتحدة وتشيلي وإسبانيا ضمن كبار المصدرين بحصص متفاوتة من السوق العالمي.
كما أظهرت البيانات تفاوتًا حادًا في أسعار استيراد الطن بين الأسواق، حيث سجلت المملكة المتحدة وتايبيه الصينية أعلى أسعار تجاوزت 190 دولارًا للطن، مقابل أسعار منخفضة في أسواق كالصين وفرنسا وألمانيا تراوحت بين 42 و51 دولارًا للطن، ما يعكس اختلاف نوعية الاستخدامات بين الملح الصناعي والغذائي والمتخصص.
وتشير مؤشرات النمو إلى أن الصين كانت السوق الأكثر ديناميكية خلال الفترة من 2020 إلى 2024، مسجلة أعلى معدلات نمو سنوي في قيمة الواردات بنسبة 24% وفي الكميات بنسبة 26%، بينما شهدت أسواق مثل الولايات المتحدة واليابان معدلات نمو أقل، بما يعكس حالة تشبع نسبي أو اعتماد أكبر على الإنتاج المحلي.
وأوضح التحليل التنافسي أن الهند استطاعت زيادة صادراتها بنسبة 31% بمتوسط سعر 22 دولار للطن، بينما تراجعت صادرات تشيلي بنسبة 20% بمتوسط سعر 23 دولار للطن، وعانت الصين من عجز تجاري في الملح قدره 477 مليون دولار وأمريكا بعجز 353 مليون دولار رغم كونها رابع أكبر مصدر عالمي بنسبة 7% .
الإنتاج والصادرات المصرية من الملح
شهدت صناعة الملح في مصر طفرة ملحوظة خلال الأعوام الأخيرة، حيث احتلت مصر المركز الرابع عشر عالميًا ضمن قائمة أكبر الدول المصدرة للملح خلال عام 2024، مستحوذة على حصة 2.1% من إجمالي الصادرات العالمية.
وأشارت البيانات أيضًا إلى أن صادرات الملح المصرية سجلت معدلات نمو قوية، حيث ارتفعت بنسبة 27% خلال أول 10 أشهر من 2025، مقارنة بنفس الفترة من عام 2024، التي سجلت خلالها الصادرات نحو 61 مليون دولار، كما حققت الصادرات نمواً ملحوظاً بنسبة 23% خلال عام 2024 مقارنة بعام 2023.
وذكر المجلس أن أول 10 أشهر من عام 2025 سجلت الصادرات نحو 77 مليون دولار، وهو أعلى مستوى تاريخي للقطاع، متجاوزة أعلى مستوى سنوي سابق تم تسجيله في عام 2019 بنحو 76 مليون دولار، وأيضًا إجمالي صادرات عام 2024 التي بلغت 75 مليون دولار بنهاية العام، وهو ما يعكس قوة النمو واستدامته خلال الفترة الأخيرة.
وأشارت الدراسة التي أعدها المجلس التصديري للصناعات الغذائية إلى أن الصادرات المصرية من الملح تتسم بتنوع جغرافي ملحوظ، حيث تتوزع بين الأسواق الأفريقية ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تستحوذ الولايات المتحدة على نحو 25% من إجمالي صادرات مصر من الملح، بقيمة تقارب 19 مليون دولار، وبمعدل نمو بلغ 21%، تليها أوكرانيا بنسبة 18% من الصادرات وبقيمة نحو 14 مليون دولار، محققة نمواً قدره 26% .
كما شهدت بعض الأسواق الأوروبية والأفريقية نموًا هائلاً، مثل بولندا بنسبة 91% بقيمة 4.7 مليون دولار، وهولندا بنسبة 207% بقيمة 2 مليون دولار، إلى جانب النمو القوي في عدد من الأسواق الأفريقية، وعلى رأسها كوت ديفوار، التي بلغت الصادرات إليها 3.7 مليون دولار بمعدل نمو وصل إلى 142%، وملاوي بنسبة نمو 672% بقيمة 1.6 مليون دولار.
وأوضحت الدراسة أن التفعيل الكامل لاتفاقيات منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AFCFTA) من المتوقع أن يعزز تنافسية صادرات الملح المصرية، خاصة في أسواق غرب ووسط وجنوب أفريقيا، بما يفتح آفاقاً جديدة أمام القطاع خلال الفترة المقبلة، كما شددت الدراسة على أن المؤشرات الحالية تعكس توقعات إيجابية لنهاية عام 2025، مرجحة استمرار النمو السنوي للصادرات ليصل إلى نحو 30% مقارنة بالعام الماضي، في ظل استمرار الطلب الخارجي وتحسن بيئة التصدير.
الفرص المتاحة أمام المنتج المصري
أوضح المجلس التصديري للصناعات الغذائية أن تحديد فرص نمو الصادرات المصرية يعتمد بشكل أساسي على أدوات مركز التجارة الدولية (ITC)، وعلى رأسها خريطة الإمكانات التصديرية (Export Potential Map)، التي تقوم على تحليل البيانات التاريخية واتجاهات التجارة العالمية لتحديد الأسواق الأكثر قدرة على استيعاب الصادرات المصرية خلال السنوات الأربع المقبلة.
وكشفت الدراسة أن أبرز الأسواق المستهدفة ذات معدلات النمو المرتفعة تشمل الصين بصادرات متوقعة تبلغ 5.2 مليون دولار، والإمارات بنحو 5 ملايين دولار، والمملكة المتحدة بنحو 3.6 مليون دولار، بالإضافة إلى الكويت بقيمة متوقعة تبلغ 2.2 مليون دولار. كما أظهرت الدراسة وجود فرص واعدة في عدد من الأسواق الأخرى، من بينها بلجيكا وسلوفاكيا والبرازيل وكوريا الجنوبية وإسبانيا وإندونيسيا وعُمان وفرنسا وغانا وألمانيا وإيطاليا والسعودية.
وفي المقابل، حذرت الدراسة من احتمال حدوث تراجع نسبي في الصادرات المصرية لعدد من الأسواق الرئيسية، ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا وكوت ديفوار وليبيا، مشددة على أهمية دراسة أسباب هذا التراجع المحتمل، خاصة في السوقين الأمريكي والأوكراني، والعمل على تنويع الأسواق لتقليل المخاطر التجارية.
وأكد المجلس أنه وعلى الرغم من توقعات تراجع الصادرات المصرية من الملح إلى الولايات المتحدة إلا أنها ستظل أكبر مستورد للملح المصري، بقيمة متوقعة تتراوح بين 12 و13 مليون دولار، مشددًا على أن المرحلة المقبلة تتطلب جهداً أكبر للنفاذ إلى الأسواق البديلة التي حددتها خريطة الإمكانات التصديرية، وعلى رأسها الصين والإمارات.
وشددت الدراسة على أن الطموح يتجاوز الأرقام الحالية، لافتاً إلى أن حصة مصر من واردات الملح العالمية، التي تتجاوز 5.2 مليار دولار، لا تزال محدودة، موضحاً أن الهدف الاستراتيجي للمجلس هو رفع صادرات الملح إلى ما لا يقل عن 200 مليون دولار بحلول عام 2026، وصولاً إلى مليار دولار على المدى المتوسط، وذلك عبر التركيز على التصنيع المحلي وإضافة القيمة للمنتج النهائي بدلاً من تصدير الملح الخام.
مقترحات المشاركين لتطوير قطاع الملح
اقترح المشاركون في الندوة التي نظمها المجلس التصديري للصناعات الغذائية مجموعة من التوصيات الهامة لدعم دخول المستثمرين الجدد إلى قطاع تصنيع وتصدير الملح، وأكدوا أن التحدي الأساسي أمام الشركات الجديدة لا يكمن في الوصول إلى الأسواق أو العملاء، وإنما في نقص المعرفة المتخصصة بالمنتج وفهم استخداماته المختلفة، مطالبين بضرورة توفير دراسات شاملة تتضمن أنواع الملح المختلفة واستخدامات كل نوع، ومتطلبات الأسواق المتخصصة، ومتوسطات الأسعار العالمية، وفهم إطار الاستثمار وإدارة المخاطر المرتبطة بالقطاع.
كما شدد المشاركون على أهمية اتباع منهجية عملية واضحة عند دخول السوق، تبدأ بالتركيز على سوق محددة وعدم التشتت بين عدة أسواق في المراحل الأولى، وأوضحوا أن من بين الإجراءات الأساسية إجراء دراسة سوقية متعمقة للدولة المستهدفة، والتواصل مع المكاتب التجارية بالخارج، والاستفادة من المعارض الدولية، مشيرين إلى أن هذه الأدوات تلعب دوراً محورياً في تمكين المصدرين من الوصول إلى عدد كبير من الأسواق خلال فترة زمنية قصيرة، مع حتمية الالتزام الكامل من جانب الشركات المصدرة بالإجراءات التنظيمية والمواصفات الفنية لحماية الصناعة الوطنية وسمعه المنتج المصري في الأسواق الخارجية.
وأبرز المشاركون أن قطاع الملح في مصر يمتلك مقومات قوية للنمو، مؤكدين أن القيمة التصديرية الراهنة يمكن أن تتضاعف بشكل كبير إذا تم توجيه المنتج كملح نهائي عالي القيمة بدلاً من الملح الخام، مبينين أن صادرات الملح خلال أول 10 أشهر من 2025، والبالغة 77 مليون دولار، يمكن أن تصل إلى نحو 770 مليون دولار عند التحويل للمنتجات النهائية.
كما أشار المشاركون إلى أن الملح المستخدم في الصناعات الغذائية يضاعف قيمته، حيث يرتفع سعره من نحو 22 دولاراً للطن (كسعر تقديري للملح الخام المستخدم في إزالة الجليد) إلى حوالي 45 دولاراً للطن عند توجيهه كملح غذائي، وتابع المشاركون ” الاستثمار في التصنيع المتخصص يمكن أن يرفع السعر إلى ما بين 100 و300 دولار للطن، بينما يمكن للمنتجات المتطورة، مثل الملح المستخدم في الصناعات الطبية والصيدلانية أو في غسالات الأطباق، أن تصل قيمتها إلى مستويات أعلى، تتطلب استثمارات وآلات خاصة”.


